موضوع: القضية الفلسطينية الجزء الاول الأربعاء مايو 19, 2010 3:38 pm
المبحث الأول: قصة أرض كنعان.
فلسطين عين على جغرافيا التاريخ:
تقع أراضي فلسطين عند الطرف الجنوبي الغربي لسلسلة من البلدان تنحني سويا في صورة قوس أو هلال، بدءا من الخليج العربي وحتى شبه جزيرة سيناء، وقد اشتهرت هذه المنطقة باسم الهلال الخصيب وهو مصطلح يعبر دون شك عن التميز الطبيعي الجغرافي الذي يتميز به هذا القوس بالمقارنة مع الصحراء العربية والمرتفعات الجبلية الحدباء التي تحيط بها، ويمتد جنوب غربي أرض فلسطين وادي النيل الخصيب إذ تفصل بينهما شبه جزيرة سينا. أما في الشمال فإن ارض فلسطين تعتبر امتدادا أسيويا ويمثل كلاهما وحدة جغرافية واحدة كما يمثلان وحدة تاريخية، وإن كان بدرجة أقل انبساطا من نهر الفرات حتى نهر مصر( وادي العريش) واشتهرت في المصادر اعتبارا من القرن الثامن فصاعدا باسم منطقة"عبر النهر" ولقد كانت فلسطين وعمليا كافة أراضي عبر النهر بمثابة ممر أو جسر بين آسيا وإفريقيا، كما فتح لها البحر المتوسط من جهة الغرب والحدود الصحراوية من جهة الشرق نوافذ على منطقة بحر إيجه من ناحية وعلى القبائل الرحالة في فيافي العرب من ناحية أخرى، يضاف إلي ذلك أن أرض فلسطين تربض بين بحرين بحيث استطاع خليج العقبة من جهة الجنوب الشرقي أن يمهد لها طريقا نحو البحر الأحمر أيضا ومنه إلي المحيط الهندي والبلدان الواقعة على سواحلها، وقد تسبب هذا الموقع الجغرافي الواقع على مفترق طرق الأحداث في العالم القديم والمعاصر في إحداث تحولات وتغيرات عاصفة في مصير سكان هذه البقعة وألقى بظلاله الكثيفة على كافة مناحي الحياة الروحية والحضارية والمادية وعلى اقتصاد البلاد وعلى تركيبتها السكانية، وأكثر من ذلك على طبيعتها السياسية والعسكرية، وهكذا فإن الموقع الجغرافي نفسه هو الذي بلور إلي حد كبير تاريخ هذه البلاد[1].
على الصعيد الحضاري ظلت هذه البلاد مستباحة في المقام الأول للتأثيرات التي لا تنضب القادمة من المركزين الحضريين الأكثر قدما في الشرق ألا وهما العراق القديم ومصر.اللتان نهضتا في أواخر الألف الرابع ق.م. وباستثنائهما شقت الطريق إليها تيارات الحضارة الأناضولية التي تسللت من الشمال فيما وراء سوريا والحضارة "الايجائية" بمرحلتيها "المنياوية" وخاصة الميكانية التي أغارت من الناحية الغربية وقد رافق هذا الالتقاء بين الحضارات الرئيسية في تلك العصور أكثر من صدام حاد بينها وبين أنفسها. حيث جرى في المقام الأول بينهن وبين الثقافات المحلية، وفي مقدمتها الثقافة الكنعانية وفي بعض الأحيان حدث نوع من التمازج وقد ساعد كل هذا التطور الميكانيكي لعملية الإبداع الروحي والمادي فوق أرض فلسطين، حتى أن التحولات والاستحداث أصبحت من سمات واقعها ولم تقف بتاتا في مكانها.
لقد كانت أرض فلسطين وسوريا محطتا انتقال والتقاء ومفترق طرق رئيسي، يرتكز على شبكة متشعبة من الطرق المتصلة طولا وعرضا لتخدم التجارة الدولية ومن ناحية اجتازتها طرق التجارة على طول عروق المواصلات الدولية بين وادي النيل وبين منطقة الفرات وآسيا الصغرى ومن ناحية أخرى طرق القوافل الممتدة من المناطق العربية وحتى أرض سبأ والطرق البحرية التي تقود إلي المدن الساحلية المزدهرة خاصة الساحل الفينيقي، بيد أن سوريا وفلسطين اكتسبتا أهميتهما الاقتصادية ليس لكونهما محطات انتقال وهو الأمر الذي استغله سكانها أحسن استغلال ولكن أيضا بفضل الكنوز الطبيعية التي حباها الله بها ويفق في مقدمة هذه الكنوز الغابات وخاصة أرز لبنان وسائر الأشجار المليحة التي احتاجها حكام ما بين النهرين ومصر كثيرا من حيث أن بلدانهم افتقدت لهذا العنصر الحيوي وكان استيراده يزيد من فخامة ما يقومون به.
شهدت أرض فلسطين سلسلة من الصراعات والنزاعات وتداولت عليها عديد الإمبراطوريات، هذا الأمر يثبت بأن طبيعة الأرض كانت عصية على إقامة قوة سياسية موحدة تحتضن كافة أراضي فلسطين حيث أن البلاد تفردت بشكل مورفولوجي( ما هو متصل بهيكل الأجناس) ممزق، وبسمات طبيعية متباينة ومتضاربة بشكل لا مثيل له، وتتوالي الاختلافات في السمات والتغيرات الطبيعية، على عين الناظر خاصة في قطاع مستعرض من البلاد من الشرق إلي الغرب وعلى طول البلاد تنبسط في شكل شريط متعاقب : السهول الساحلية من البلاد تنبسط في شكل شريط متعاقب: السهول الساحلية والسلاسل الجبلية، غور الأردن وجنوبيهم تنبسط بقاع النقب والعرابا ومرتفعات عبر الأردن الشرقي وحتى تصل إلي الصحراء وتسيطر على غالبية بقاع أرض فلسطين الغربية الجبال ومنحدراتها المشطورة بوديان متسعة وسهول وغيره، حتى أن أرض فلسطين لاحت في عيون القدماء على أنها أرض جبال وسهول[2].
أرض كنعان محطات من الذاكرة:
لقد طرأت قرابة منتصف الألف الثانية، طائفة من التحولات الأثينية والثقافية والسياسية داخل بلدان العالم القديم، ونالت من أرض فلسطين أيضا، فمنذ تأسيس الدولة الحديثة في مصر خلال القرن 19ق-م ظلت مصر وحتى منتصف القرن 12ق-م (عهد الأسرات الملكية ال18 وحتى القرن 20 )العنصر الحاكم في أرض كنعان[3] وعلى صعيد آخر تزايدت الضغوط على أرض كنعان من قبل مملكتين التي تأسست بشمال البلاد مابين نهرين وبلغت ذروة مجدها في القرن الخامس عشر ق- م، ومن بعدها مملكة الحيثيين التي ورثت مكانة الميتايين في سوريا، وقد أفضى نفوض أركان الإمبراطورية الحيثية من جهة وأفول نجم مصر من جهة أخرى إلى هجوم شعوب البحر على أرض كنعان يتقدمهم البلستيون في النهاية أتاح ذلك للأشوريين حوالي علم 1100ق- م، أن يحققوا حلمهم القديم بالتسلل نحو البحر المتوسط وبسط نفوذهم على الساحل الفينيقي ردحا من الزمان .
وتوجد وثائق متقطعة من التسلسل التاريخي غب أرض كنعان خلال تلك الفترة، والحقيقة أن هذه البقعة كانت مهدا لواحدة من الانجازات الحضارية المحورية في تاريخ الجنس البشري هو بكل تأكيد اختراع الأبجدية بيد أن هذا الخط هو الخط الفينيقي العبري القديم تبلور بشكله المتكامل مع أواخر الألف الثانية ق- م، أما في ما اكتشف في فترات سابقة على ذلك فهو مجرد بقايا محدودة لكتابات أبجدية مربعة الشكل تعرف "بالبروتوكنعانية" في بقاع مثل نابلس، حازر لاخيش ومن جزاء طبيعة هذه الكتابات لم ترصد قيمتها التاريخية الحقة[4].
في بداية العصر الحديدي، أي حوالي سنة 1200ق- م تعرضت فلسطين (أي كنعان) لغزوات من الفلستيين والعبرانيين وغيرهم، وربما كان الغزو الفلستي هو أول هو أول غزو أوروبي لفلسطين، ونظرا لأن الفلستيين تحاربوا مع الإسرائيليين وهزمهم في عدة معارك، وورد ذكرهم في التوراة، لذلك لابد من التوضيح حتى لا يلتبس الأمر ويتم اخلط بينهم وبين الكنعانيين، سكان فلسطين الأصليين.
"الفلستيون" مصطلح يطلق على القبائل التي استوطنت شاطئ فلسطين (كنعان) الجنوبي الغربي من غزة إلى يافا شمالا، وهم من شعوب Sea Peopes الذين جاءوا على فلسطين من بحر إيجه حوالي علم 1194 ق-من وقد جاء ذكرهم غي عدد من المصادر المصرية القديمة حيث أسموهم "بلست" وكذلك في آشورية حيث أسموهم "بلستو" أو"بالستو"، ويدل الخزف الذي أدخلوه إلي فلسطين على أصولهم الكريتية(من جزيرة كريت قرب السواحل اليونانية)، وكان مؤرخ هيرودوت(أبو المؤرخين) هو الذي أطلق على المنطقة التي احتلها الفيلستيون اسم فلستا philistia وكانت تشمل خمس مدن ساحلية أساسية: أشدود العاصمة، عسقلان، غزة، وعقرون (عاقر) وجات، ولكنهم استوطنوا أيضا مدن داخلية وأسسوا مدينة اللد[5].
فاق الفيلستيون اليهود ألد أعدائهم في التمدن والعمارة، إذ تدل بقايا منازلهم على فن رفيع في البناء بينما كانت منازل اليهود بدائية صغيرة وسقوفها واطئة وفاقوهم أيضا في الفنون الحربية وقد اصطدم الفلستيون باليهود فهزموا القضاة واستولوا على تابوت العهد[6].
وكذلك استولوا على أجزاء من المنطقة التي صارت فيما بعد المملكة الجنوبية، وقد نجح شاؤول لبعض الوقت في صد الفلستين لكنه فشل وهزم في النهاية، أما داود فقد نجح في تحقيق ما فشل فيه شاؤول وأنهى الهيمنة الفلستية بعد ان قتل جلياتgoliath.
خضع الفلستيون في القرن السابع ق.م لآشور ثم لمصر، وبعد ذلك سيطرت عليهم الإمبراطورية البابلية فاختلطوا بالشعوب السامية المحيطة بهم واندمجوا معهم. وقد اندثرت معظم الآثار الفلستية وكل ما وصلنا من معلومات عن الشعب مستمدة من الحضارات التي تعاقبت عليه.
ومنذ أيام هيرودوت أصبحت المنطقة تسمي باسمهم ثم أصبح هذا الاسم ( فلسطين) هو اسمها رسميا أيام الإمبراطور الروماني هادريان.
ولقد تطور اسم فلستي عبر التاريخ وطرأت عليه تغيرات مهمة فهي تعني بالنسبة للإنسان الغربي اليوم الفلسطيني القديم وتجدر الإشارة إلي أن وصف فلسطين مستعمل لوصف الشخص المادي النزعة الفج المعادي للثقافةن وهو إنسان محدود الأفق وبعيد عن الثقافة الرفيعة كما يعرفه قاموس أكسفورد، وهو تعريف ينم عن تأثر التفسير التوراتي للتاريخ لمصلحة اليهود.
وقد بلغ التشويه إلى حد أن الدعاية الصهيونية روّجت للقصة التوراتية عن جليات وداوود، حيث يصور انتصار داوود الصغير بالمقلاع عن جليات، وكان من جبابرة الفيليستتن، إذ بلغ طوله أكثر من تسعة أقدام، كما أن الدعاية الصهيونية نجحت في ترسيخ صورة داوود رمزا لإسرائيل الذي يستخدم ذكاؤه ومهارته في هزيمة عدوه، مقابل صورة جليات رمزا للعرب الذي يتسم بضخامة الحجم وكثرة السلاح ولكنه لا يستخدم عقله فيمنى بالهزيمة.
ويبدو أنه في سياق قصص الآباء قد ترصدت ذكريات للتطورات التاريخية ترجع إلى مئات السنين، ربما كانت بدايتها ذلك التيه السامي الغربي في منطقة الهلال الخصيب وفي اتجاه الغرب وهي التيه الذي وصل إلى ذروته في الربع الأول من الألف الثانية قبل الميلاد، , وهذه المراحل الزمنية الواسعة قد اندمجت في الروايات التاناخية في إطار ضيق ينحصر في ثلاثة أجيال، تشهد عليها التقاليد التاريخية، وتتجلى في حصرها في كل من إبراهيم، إسحاق ويعقوب، ولكن بالإضافة إلى أن روايات العهد القديم تهتم بهؤلاء الآباء الثلاثة "آباء شعب إسرائيل" كشخصيات فريدة وكممثلين لفترة تاريخية، إن العهد القديم يعلق عليهم مهاما متصلة بالمستقبل أهمها وعد النسل وانفرادية النسل الإسرائيلي والوعد بالأرض الموعودة، وهي الأشياء التي تتكرر عبر المكتوبات اليهودية، مثل قول الرب لإبراهيم: "أجعلك أمة عظيمة... لنسلك أعطي هذه الأرض" (التكوين 12: 2 . 7) وبالتالي فإن أسس أهمية الآباء هم كونهم موضوعات التجلي الإلهي، وباعتبارهم عاقدي العهد الذي قطعه الرب مع إبراهيم ونواة هذا العهد هي رسالة الشعب المختار، وهو إله الآباء، إنه إله ذو طابع خاص يقيم علاقات شخصية ودية مع أسرة الآباء ويدافع عنهم في تيههم، ومع هذا فهو إله بلا اسم وبلا عالم تطلق عليه أسماء غامضة مثل إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، خوف إسحاق، بطل يعقوب...
هذا الرب يظهر للآباء في أماكن إقامتهم في أرض كنعان ومرة أخرى تطلق عليه أسماء مثل إله العالم، الإله الأعلى على الأخص الله القوي، أو يسمى باسم المكان، إلى رئى، إله بيت إيل[7].
إن نزوح بني إسرائيل إلى مصر يمكن أن نربطه بشكل عام فقط بتلك الحركة الدائمة للعناصر السامية الغربية من أرض كنعان إلى أرض النيل، وهي الحركة التي بدأت في نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد والدخول السامي على شكل جماعات صغيرة أو كبيرة كان يتم أساسا بالطرق السلمية، ذلك لدوافع تجارية أو بسبب القحط والجوع الذي عم أرض كنعان أو بسبب بيعهم للمصريين عبيدا، وهي ظرف ورد معظمها بشكل أو بآخر بوضوح في سياق قصص الآباء.
وهذا شبيه بما حدث عندما جاء أبناء يعقوب إلى مصر هربا من القحط والجفاف، وتشير القصص بصفة خاصة إلى نزوح وكذلك أسرة إبراهيم وإسحاق إلى مصر بسبب الجوع الذي ساد كنعان، كما أن هناك مجموعات تدعى العابيرو وهي مجموعات ورد ذكرها في وثائق ترجع إلى منتصف القرن 15 قبل الميلاد حتى منتصف القرن 12 قبل الميلاد، وليس هناك شك في أن اسم عابيرو باللغة المصرية الاسم خبيرو، وهذه اصطلاحات لها صلة بالاسم عبري، والتي يرى بعض الباحثين أن هناك تشابه بينها من حيث اللغة والمضمون بشكل مطبق.
بينما يرى البعض أن هناك مجرد تقارب موضوعي أولي فقط، في حين يرفض بعضهم ذلك تماما، ومن هذا التنوع الواسع في تفسير ظهور الخبيرو من حيث المكان والزمان من بابل في الجنوب حتى الأناضول في الشمال وفلسطين في الغرب، وفي معظم أسماء الأعلام عندهم والتي اشتق معظمها من لغات مختلفة تماما من كل هذان ويمكن أن نستنتج أننا لسنا أمام شعب أو مجموعة عرقية قومية بل أمام اصطلاح ذو مغزى اجتماعي اختلف الباحثون حول تحديده بدقة.
وقد اتضح أن المقصود غالبا بهؤلاء "الخبيرو" طبقة اجتماعية ذات مرتبة منحطة لم تكن ضمن الإطار الاجتماعي العادي على غرار التهويد في التوراة، وبعنبر اصطلاح عبري ذا مغزى طبقي ويتناسب مع الاصطلاح الاجتماعي القانوني "عبد عبري" ليست له الحقوق الكاملة للمواطن[8].
من كلدان إلي كنعان:
في حوالي عام 1800 ق.م كانت مجموعات من الرعاة الرحل والمنتسبة تاريخيا لبعض هذه الأفواج التي هاجرت من الصحراء غلي منطقة الهلال الخصيب فقد استطاعت أن تستقر وتنتشر وتؤلف دولة يذكرها التاريخ باسم الكلدانية وتنتشر في العراق، قامت على أساس من علاقات الصراع والقهر اليومي الذي كانت فيه الكثرة الكثيرة من جمهور ذلك الشعب الذي كانت فيه كلدان مضيعة بين أساليب التناقض التي يعمل مجموعات من الرجال المتسلطين والمستغلين وأولئك الذين انتزعوا لأنفسهم كهانة ديانة وسيادة سياسة، فخلقوا بعض مظاهر التفاوت الطبقي وعلاقات الاستغلال وهنا نشأ سيدنا إبراهيم عليه السلام وبعد أن سفه إبراهيم أحلام قومه وألهتهم، وثار على نظام حياتهم واجه موقفا عنيفا أوشك أن يقضى على حياته ويقطع عليه الطريق، يعبر عنه القرآن الكريم صراحة في هذا الموقف بقوله تعالى: ﴿ قالوا احرقوه وانصروا ألهتكم إن كنتم فاعلين﴾.
كان على إبراهيم أن يبدأ رحلته وهجرته رفقة زوجته سارة وابن أخيه لوط وزوجته سائرا شمالا لجهة الغرب ثم جنوبا بطول الهلال الخصيب حتى وصل إلي ومن معه إلي فلسطين، ومثل إبراهيم والمجموعة التي معه موجات حركة انتقال وارتحال بعض القبائل التي بدأت تنتهج طريقه وتنتقل في بادية الشام وسيناء وتسمي باسم العبرانيون صفة لهم أو نسبة لعبورهم البادية والصحراء أو لعبوره نهر الأردن أو الفرات، ولم يتقبل الكنعانيون دعوة إبراهيم بسبب سلوك العبرانيين المتمثل في السطو والإغارة...[9]
ومهما تكن فقد توجه إبراهيم إلي مصر وهنا وهبت له جارية تدعى هاجر وكانت مفتاح ذريته إسماعيل في مكة وهو جد العرب المستعربة وإسحاق وهو جد اليهود ومن بعدهم أسباط يعقوب، وهذا الأمر كان بعد عودة إبراهيم إلي كنعان إلي أن توفي هناك في مدينة الخليل التي اتخذت اسمه، بعد ذلك تعرضت فلسطين إلي أعوام من القحط والجفاف الأمر الذي أدى ببني إسرائيل للعودة لمصر واجتماع يعقوب وابنه يوسف عليه السلام وهناك عاش بنو إسرائيل في عزلة وابتعدوا عن الاختلاط بالشعب المصري بعد وفاة يوسف عليه السلام وزوال نفوذهم في مصر، فهم في كل زمان ومكان يميلون إلي الانعزال والانفصال. الأمر الذي عرضهم لتجربة حياة الذل والهوان والعبودية و الاستغلال لأهل فرعون حتى بعث نبي الله موسي إليهم مخلصا ومهاجرا إلي فلسطين رفقة أخيه هارون وبنو إسرائيل وكان ذلك في حوالي القرن 13 ق.م في عهد رمسيس الثاني، والذي قضي نحبه في البحر الأحمر، تذكر المصادر التاريخية أن اليهود قد كتب عليهم التيه في صحراء سيناء لمدة 40 عاما وظلوا الطريق قبل أن يهتدوا إلي فلسطين، غير أن الله كان قد توفي موسي وهارون، ليقودهم بعد ذلك يوشع بن نون فتى موسي، وقد تمكنوا من الوصول إلي فلسطين وكانت آريحا هي المدينة التي ابتدأت سطوت اليهود عليها ومن بعد ذلك توسعوا إلي المناطق المجاورة، ومن هذا التاريخ بدأ الوجود اليهودي بفلسطين، وقد قسم المؤرخون هذا الوجود إلي ثلاث مراحل:
1. عصر القضاة إلي غاية تولي طالوت ( شاؤول) الحكم: وخلاله حكم اليهود حوالي 14 قاضيا، واستطاعوا تحقيق بعض السيطرة على الجزء الشمالي الشرقي من فلسطين ولكن في نفس الوقت تمكنت تميزت هذه الفترة بتنامي الفوضى والخلافات الداخلية بين الإسرائيليين والسكان الأصليين ولم يتحسن حالهم إلا بتولي طالوت أو كنا تذكره التوراة شاؤول ملكا عليهم حيث أعاد الاستقرار إلي المنطقة والانتصار على خصومهم ثم بدأ عهد الملوك.
2. عهد الملوك 1064ق.م إلي 923 ق.م:يبدأ بظهور النبي داود عليه السلام حوالي 1064ق.م والذي تمكن من إخضاع جزء كبير من فلسطين لسيطرته ونقل العاصمة إلي القدس سنة 995 ق.م، واستمر حكمه إلي غاية 963ق.م، حيث خلفه ابنه سليمان عليه السلام فيما بين963/929ق.م، ويعتقد أنه تم بناء الهيكل في عهده وبعد وفاته انقسمت دولة بني إسرائيل إلي دولتين متصارعتين وبالتالي دخلت مرحلة الضعف والانحلال.
3. مرحلة الانقسام:
· مملكة إسرائيل : فيما بين 923ق.م إلي غاية 721ق.م، وانتهت بانهيارها وسقوطها على يد القائد الأشوري سرجون الثاني حيث تشتت اليهود في حوران وفارس وكردستان.
· مملكة يهودا 923/586: وكانت عاصمتها القدس وقد خاضت صراعا عنيفا مع جارتها مملكة إسرائيل كما خضعت في كثير من الأحيان إلي السيطرة الأجنبية حيث خضعت إلي الهيمنة الفرعونية ثم الفلسطينية فيما بين(849/842) ثم للآشوريين إلي أن سقطت أخيرا على يد البابليين بقيادة نيوخذ نصر الذي خرب الدس ودر الهيكل وهدم جميع المعابد الكنعانية فيها، واسرّ من بقي حيا من اليهود وساقهم إلي بابل وتذكر التوراة أنه استولى على كنوز معبد سليمان وذلك سنة586ق.م.
وقد وصفت الفترة المسماة "عهد المملكة الموحدة" لداود وسليمان، باعتبارها قمة الاستقلال السياسي والعسكري والاقتصادي لبني إسرائيل في العهود السابقة وبع احتلال داوود امتدت إمبراطوريته لمساحات كبيرة من نهر الفرات حتى غزة ولكن الاكتشافات الأثرية في مواقع كثيرة أظهرت أن حركات البناء التي تحدثت عنها التوراة كانت شحيحة وقليلة والمدن الثلاثة حتصور، مجيدو، جازر المذكورة في سياق الحركات العمرانية لسليمان حفرت بشكل موسع في الطبقات الملائمة وكانت حتصور محصنة فقط في النصف العلوي من المدينة في جازر على ما يبدو قلعة محاطة بجدار حديد وتتعقد الصورة أكثر على ضوء الاكتشافات الأثرية في القدس عاصمة المملكة الموحدة حيث حفر أجزاء واسعة من المدينة خلال 150سنة الأخيرة، وخلال ذلك اكتشفت بقايا مثيرة من العهد البرونزي الأوسط والعهد الحديدي" أيام مملكة يهودا" ولم يكتشف من عهد المملكة الموحدة حتى ( حسب التوثيق الذي يحظى بالإجماع) أثار لمباني ولم تكتشف إلا مجموعة من الأواني الفخارية وعلى ضوء هذه الآثار المحفوظة من العهود السابقة واللاحقة أصبح واضحا أن القدس في عهد داود وسليمان كانت مدينة صغيرة ، وربما كانت بها قلعة ملكية صغيرة إلا أنها لم تكن بأي شكل من الأشكال عاصمة الإمبراطورية الموصوفة في أسفار التوراة، وقد حظيت القدس بمكانتها المركزية بعد دمار السامرة خصمها الشمالي في عام722ق.م.
وإذا اندمجت المكتشفات الأثرية بشكل جيد في استنتاجات الباحثين فإن داود وسليمان كانا حكام مماليك قبلية تضم مناطق صغيرة، الأول في الخليل والثاني في القدس وفي المقابل بدأت تنتظم مناطق مملكة منفصلة في جبل السامرة " مملكة الشاؤول".
وكانت مملكتي إسرائيل ويهودا من البداية مملكتي منفصلتين وفي أحيان كثيرة متخاصمتين ومن هنا كانت المملكة الوحدة الكبرى اختراعا تاريخيا وجغرافيا مبتدعا دمر في أواخر عهد مملكة يهودا، وربما كان البرهان الحاسم على ذلك هو حقيقة أننا لا نعرف اسم هذه المملكة إلي جانب الاختبارات التاريخية السياسية تثير أيضا الشكوك حول مصداقية المعطيات حول العقيدة والعبادة[10].
وحسب مزاعمهم فإن مملكة إسرائيل لم تعمر سوى 4 قرون وفي أغلب الأحيان لم يمتد نفوذ حكامها إلا لجزء من أراضيها وكان حكمهم في الغالب ضعيفا ومفككا وخضعت أحيانا لنفوذ وهيمنة الدول المجاورة وفي الوقت نفسه ظل أبناء فلسطين من الكنعانيين وغيرهم في أراضيهم ولم يهاجروا أو يرحلوا عنها، وقد سمح الإمبراطور أورش لليهود بالعودة إلي فلسطين فعادت قلة منهم وعاشت بفلسطين وتمتعت منطقة القدس بنوع من الحكم الذاتي تحت السلطة الفارسية التي استمرت من 539 إلي 332ق.م، وتلا ذلك عصر السيطرة الهلينية الإغراقية على فلسطين فيما بين 332/63 ق.م، وقد تمكن الرومان من السيطرة على فلسطين عام63 قبل الميلاد، ثم أخضعوها لحكمهم المباشر في السنة 6 م، وألغوا الحكم الذاتي اليهودي ومارسوا عليهم سياسة الاضطهاد والإذلال وفيما بين 66/70م قام اليهود بثورة ضد الرومان لكن القائد تيتوس تمكن من إخماد نارها بعدما قتل عدد كبير منهم وشتت من بقي كما دمر الهيكل الذي أعيد بنائه سابقا ث ثار لاحقا على من بقي من اليهود في المنطقة ما بين ستني123/135 ولكن القائد جليوس احتل القدس ودمرها بشكل تام وأقام الإمبراطور الروماني أدريم مدينة جديدة قائم بذاتها سماها إيليا كبيتولينا وعرفت بعد ذلك بمدينة إيليا وحضر على اليهود دخولها ومنذ ذلك الحين تضاءل عدد اليهود بفلسطين إذ لم يتجاوزوا نسبة2% إلي 3% من مجموع السكان واستمر الوضع الديمغرافي على حاله إلي غاية القرن العشرين[11].
فتح بيت المقدس:
في عهد عمر بن الخطاب أرسل رضي الله عنه عمر بن العاص وعبيدة بن الجراح فلسطين ونشر الدعوة الإسلامية فيها، وبقيت لم تفتحت لمناعة أسوارها وفي عام 636م جاء العرب المسلمون فحرروا بلاد الشام كلها من الاحتلال الروماني في معركة اليرموك وبعدها، كما حرروا بيت المقدس.
ولقد بدا واضحاً أن ما يسمي بهيكل سليمان الأول، والهيكل الثاني الذي بناه اليهود بعد عودتهم من السبي البابلي، لم يعد له أثر في الوجود بعد بقاء الرومان في فلسطين زُهار خمسمائة عام يضاف إليها أربعة عشر قرناً في ظل الحكم العربي الإسلامي. أين آثار ذلك الهيكل الخشبي بعد ألفي سنة وأين معبد يهوه؟؟.....
وفي هذا السياق لا بد من الاطلاع على الوثيقة العمرية، التي أعطاها خليفة المسلمين عمر بن الخطاب لأهل القدس، وكان اسم المدينة في تلك الفترة "إيلياء" كما مر معنا، وليقارن القارئ الكريم، وأي إنسان وبمنتهى الموضوعية والإنصاف ليصف المشهد عند دخول العرب المسلمين مدينة القدس وبين دخول الإرهابي المجرم، موشى دايان في 5 حزيران 1967. وكان آنئذٍ وزيراً للدفاع الصهيوني، دخلها تحت وابل من نيران المدفعية والرشاشات الثقيلة، وقد عمل جيشه الباغي في أهلها قتلاً وفي المدينة المقدسة تدنيساً وتخريباً وبخاصة المقدسات المسيحية والإسلامية على حدٍ سواء، كما فعل التتري المغولي هولاكو في بغداد وأهلها عام 1258م 656هـ.. وإليكم النص الكامل للوثيقة العمرية:
الوثيقة العمرية.
جاء فيها ما يلي:
"وبينما عمر بن الخطاب بالجابية فزع الناس إلى السلاح إذ رأوا خيلاً مقبلة، عليها الفرسان في أيديهم السيوف، فتبسم عمر لمرآهم وقال: مستأمنه لا تراعوا وأمنوهم. وكان هؤلاء الفرسان هم رُسُل صفرونيوس أسقف بيت المقدس جاؤوا يتمون الصلح مع أمير المؤمنين فصالحهم عمر على صلح دمشق، بل على صلح أكثر منه سخاءً وكتب معهم كتاباً أورد الطبري نصه كما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسُهم ولا تُهدم، ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود. وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن.
وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص ومن شاء رجع إلى أهله، وإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب، عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية... وختم عمر بن الخطاب الكتاب بتوقيعه، كما شهد عليه خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وجاء في الصفحة 258": ولعل صفر ونيوس لم يضن على عمر، فذكر له ما كان معروفاً من قصص هذه المعابد وهو كثير. وبينما الرجلان في كنيسة القيامة، أدرك موعد الصلاة، فطلب الأسقف صفرونيوس أن يصلي في الكنيسة- فهي من مساجد الله، فاعتذر عمر وقال:
"إن يفعل ذلك يتبعه المسلمون على تعاقب القرون إذ يرون عمله سُنَّة مستحبة، فإذا فعلوا أخرجوا النصارى من كنيستهم وخالفوا عهد الأمان.
واعتذر عمر للسبب ذاته عن الصلاة في كنيسة قسطنطين المجاورة لكنيسة القيامة. وكانوا قد مدوا للخليفة عمر عند باب الكنيسة بساطاً يصلي عليه. ولكنه صلى في مكان قريب من الصخرة المقدسة. وفوق هذا المكان، شيد المسلمون فيما بعد مسجداً فخماً هو المسجد الأقصى. أما في عهد عمر فقد كان هذا المسجد بسيط البناء يشبه مسجد النبي محمد في المدينة المنورة يوم أقيم.
لسنا بحاجة للتعليق على دخول العرب المسلمين إلى دار المحبة والسلام "القدس" ودخول اليهود إليها مرات عديدة وماذا فعلوا بها. والذين أطلق عليهم السيد المسيح، عليه السلام.
"جعلوا من بيت الله مغارة لصوص وأبناء أفاعي، هي قدس مقدسة، صلى فيها المسيح عيسى بن مريم، وصلى فيها زكريا بن برخيا وابنه يوحنا، كلهم وغيرهم من الأنبياء قتلهم بنو إسرائيل الذين ينحدرون من نسل المرأة الشرير.
كما صلى فيها محمد بن عبد الله (، وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ولعل مكانة القدس تأخذ أبعادها من خلال تتابع رسالات التوحيد والتي بدأت منذ آدم وانتهت عند رسول محمد (. وعندما ندقق بنهج الدعوة، عند كافة الأنبياء نراه منهجاً واحداً وهو الدعوة لديانة التوحيد والأخلاق السامية الرفيعة، والسلوك الإنساني المتميز، لقد اختار الله الأنبياء من بين البشر، واصطفاهم على غيرهم ليكونوا خاصته ورسله، وليبلغوا الرسالات التي لم تنقطع حتى خاتم الأنبياء. وإذا ما دققنا في نصوص التوراة "قبل التحريف" ونصوص الإنجيل "البشارة" ونصوص القرآن الكريم لوجدنا أن الأنبياء جميعهم ساروا على منهج واحد في الدعوة، وهو منهج عقيدة التوحيد.
لقد وردت مكانة القدس المباركة، في القرآن الكريم: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله﴾ [12]
وكلمة باركنا حوله ذات معنى شامل وواسع ماذا حول المسجد الأقصى؟ مدينة القدس وهو في قلبها، فلسطين، بلاد الشام، لأن هذه الأرض أرض الرسالات السماوية، وأرض الأنبياء وأرض المتقين من مسلمين ومسيحيين وهم عرب، يعبدون الله ولا يعتدون على (والله لا يحب المعتدين(.
إذا كنا قد رأينا ماذا فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القائد العربي المسلم... لنر ماذا فعل الفرنجة حماة الصليب... بدأ زحفهم عليها في نيسان 1099 بقيادة ريمون سان جيل وتانكريد وكورت هوز، ثم لحق بهم غوفروا بويون، فوصلوا في السابع من حزيران إلى تلٍّ يُطلُّ على مدينة القدس. بدأ هجومهم في 13 حزيران ولكنه أخفق، وفي 13 و 14 تموز 1099م تم دخولها من قبل الغزاة المعتدين، حيث وقعت مذبحة مروعة قتل نتيجتها 70 ألفاً من المسلمين، كما نهب المسجد الأقصى وحُول إلى كنيسة وحولت الأماكن الإسلامية الأخرى إلى مرابط خيول وحانات...
تسعون عاماً والمستعمرون الأوروبيون يعيثون في القدس وفلسطين فساداً وقتلاً ونهباً –كما يفعل أبناء صهيون اليوم- ولكن صلاح الدين الأيوبي حررها واسترجعها من أيدي أولئك الأوغاد في 26 حزيران عام 1187م فهل فعل بهم كما فعلوا بالعرب والمسلمين يوم دخلوها؟ فعلاً "ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب" هذه هي أخلاق العرب مسلمين ومسيحيين، وهذه هي ذمتهم:
وتمضي الأيام، ويحتل الإنكليز فلسطين والقدس من جديد، لتبدأ المؤامرة الكبرى بحق فلسطين وقلبها الروحي "وقف الله" القدس.
فيصدر وعد آرثر بلفور في 1 تشرين الثاني 1917 لجلب يهود الدنيا إلى فلسطين وتسهيل إقامة دولة لهم على ترابها الطاهر، فتنفجر الثورات ويبدأ الاستشهاد، فيُستشهد عز الدين القسام 1936 وعبد القادر الحسيني 1948 وقافلة من الشهداء وأنهار من الدماء لا زالت تترى حتى كتابة هذه السطور.. اختلط دم العربي المسلم بالعربي المسيحي لأن التراب وحدهم وهم أخوة فيه إلى يوم القيامة..
لم يستطع الغزاة الصهاينة احتلال كل القدس عام 1948 ولكنهم احتلوها في الخامس من حزيران عام 1967، فوقعت أسيرة حزينة بأيدي الأوغاد القتلة...
المبحث الثاني: القيم العقائدية للقدس في الكتب السماوية الثلاث.
القدس ... قلب فلسطين.
تقع القدس على خط عرض31 46 45 شمال خط الاستواء وعلى خط طول35 13 25، شرق جرينتش، وهي هضبة غير مستوية تماما يتراوح ارتفاعها بين 21302469 قدما، وجوها قاري صحراوي إلي حد كبير فالحرارة فيها تتجاوز 30 صيفا وقد تنزل إلي 5 درجات تحت الصفر شتاء، كما أن التفاوت في الحرارة كبير بين الليل والنهار، ومطرها شتوي متوسط، ورطوبتها متوسطة أيضا ويندر بها الثلج وليس بها أنهار وإنما تحيط بها عيون كثيرة تتفاوت في غزارة الماء وصلاحيته للشرب.
لقد بني اليبوسيون في القدس هيكلا لإلههم الأعلى" شاليم"ولهذا اعتبروا المدينة مقدسة وسموها أورشاليم أي مدينة الإله شاليم، وعندما مرّ إبراهيم بالمدينة في نحو سنة 1900ق م، وتشير التوراة أن إبراهيم في زيارته للقدس دفع لملكها "ملكي صادق" قيمة العشر من كل ما يملك وباركه ملكي صادق ودعا له، مما يشير إلي أن اليبوسيون كانوا قد ارتفعوا عن دور الوثنية الأولى، أما أسماء القدس التاريخية المختلفة، فقد ورد منها في التوراة اسم يبوس كما وردت نسبتها إلي اليبوسيون وسموها أيضا أورسالم أي مدينة السلام ، وقبل أن النسبة هي إلي سالم أحد الشيوخ اليبوسيين، وأور تعني المدينة أو القاعدة، وفي رواية أن اسم سالم أو ساليم أطلق على المدينة قبل اسم يبوس.وأقرب شكل لاسم القدس كما يلفظه اليهود اليوم هو ييروشلايم وهذا هو الاسم الذي عرف عند الإرميين العرب الذين كانوا في البلاد فبل ظهور اليهود، والذين اشتق اليهود منهم ومن الكنعانيين لغتهم العبرية، ولما استولى داود على القدس سمى المدينة باسمه فأخذوا يدعونها بمدينة داود وبدأ اسم يبوس يختفي تدريجيا فيما اخفي اسم مدينة داود وعاد اسم اورشاليم إلي المدينة.
وقد وردت معظم هذه الأسماء في التوراة ويظن الاسم بازق الوارد في مطلع سفر القضاة يعني القدس، نسبة إلي أدوني بازق اليبوسي أحد ملوك المدينة، وجاء هذا الملك بعد أدوني صادق الذي قيل أنه كان ملك القدس حين كان يشوع يحاول فتحها.
وفي أوائل القرن الثاني للميلاد سماها الإمبراطور الروماني أدريان " إيليا كابيتولينا" أي إيليا الحيري، وإيليا من إيليوس اسم عائلة الإمبراطور وظل الناس يستعملون هذا الاسم مرة واسم أور شاليم مرة وخاصة منذ منتصف القرن الرابع للميلاد،
وفي هذا زمان تشهد فلسطين والقدس تبشير السيد المسيح بتعاليمه وإنجيله.
لقد بدأ السيد المسيح دعوته للعودة إلى التوحيد، فأغضب بذلك كهنة اليهود. جاء في إنجيل لوقا.
ولما دخل الهيكل أخذ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه قائلاً لهم: "مكتوب أن بيتي بيت الصلوات وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.
وكان السيد المسيح يُعلِّم كل يوم في الهيكل، وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجوه الشعب يطلبون أن يهلكوه".
وفي إنجيل متى: "ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم: (مكتوب أن بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص). ومن الواضح أن ما يسمى بالهيكل ظل على حاله منذ أيام سليمان –كما تقول التوراة –لقد أصبح مكاناً لجماعة اللصوص وأبناء الأفاعي، ولم تبق أورشليم كما كانت بل دُمرت تدميراً كاملاً وقد تم هذا وفقاً لتحذير السيد المسيح: "ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل فقال لهم: " ما تنظرون الحق أقول لكم أنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض".
وبقيت أورشليم القدس "خربة مدة طويلة لا يسكنها إلا حامية رومانية، خربة بسبب أعمال اليهود وفسادهم وغضب الله عليهم بعد الأذى والعناء الرهيب الذي سببوه للطاهر كليم الله وهو في المهد، وكلمة الله التي مثلته بشراً في بطن أمه العذراء الطاهرة حتى عملوا على صلبه ليصبح المخلص... ثم دمرت المدينة نهائياً زمن حاكمها الروماني "هدريان" أو هدريانوس" وحُرث موقعها التي كانت عليه قائمة.. وقد قتل عدداً كبيراً من اليهود وسبى عدداً يتجاوز عدد القتلى وأمر بمنعهم من دخول القدس المهدمة، وحرم عليهم السكن فيها مستقبلاً.
بينما سمح لأتباع يسوع الإقامة فيها على أن لا يكونوا من أصل يهودي وسمى المدينة "إيليا كابيتوليتا" وهو اسم الملك. كما سمح لليونانيين بسكنى المدينة، فبنوا على باب الهيكل المهدم والذي يقال له باب البهاء برجاً ووضعوا فوقه لوحاً كبيراً وكتبوا عليه اسم الملك إيليا ومنذ ذاك الوقت سُميت بيتُ المقدس .
ثم قام الحاكم "هدريانوس" وبنى هيكلاً للمشتري "جوبيتر" ونصب تمثاله بالقرب من الصخرة المشرفة. وعندما اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية "314"م جعل الديانة المسيحية، الديانة الرسمية في فلسطين وفي عام 326م جاءت أمه هيلانة، للعثور على الحوادث المهمة التي حدثت للسيد المسيح، فبنت الكنائس تذكاراً لهذه الحوادث فأمرت بهدم هيكل المشترى "جوبيتر" والتماثيل التي أقامها هدريانوس، وقامت ببناء كنيسة القيامة. والتي يعتقد أنها المكان الذي يضم قبر المسيح قبل رفعه إلى السماء كما يعتقد أخوتنا وقد تم تدشين هذه الكنيسة عام 335م. أما كنيسة العذراء فقد بنيت عام 529م في موقع الهيكل...
واسم إيليا هو الاسم الذي تضمنته العهدة العمرية التي حررها عمر بن الخطاب لأهل القدس عندما دخلها سنه 638م
وبعد الفتح الإسلامي شاعت أسماء مثل القدس وبيت المقدس ودار السلام وقرية السلام ومدينة السلام.
إن القدس فتعني في اللغة العربية الأولى القديمة، الطاهرة كما تعني المكان المرتفع الذي يصلح للزراعة، وبيت المقدس هو المكان الذي يتطهر به من الذنوب وفي القرآن الكريم: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"
وقد ادعي اليهود أنهم سبب تسمية القدس باسم يراه-شلم، وهم يقولون أن سام بن نوح قد سماها شلم أي السلام، وإبراهيم سماها يراه بمعني الخوف، فقرر الله أن يسميها بالاسمين جميعا أي يراه شليم، أي أورشليم والإدعاء أسطوري من أساسه.
ومن الملاحظ أن أسماء القدس كلها عربية الأصول يبوسية أو كنعانية، إلا حين سماها داود و أدريان باسميهما اللذين ذهبا مع الأيام، الاسم أورشليم اسم كنعاني و ييروشلايم، تعبير آرامي عربي.
كما أن قدسية المدينة عربية بالأساس فقد دشن اليبوسيون العرب هذه القدسية قبل مرور إبراهيم بالقدس منذ ألف سنة على الأقل، وهي مقدسة عربية قبل أن يفتحها داود بأكثر من ألفى سنة[13].
المسجد الأقصى:
كان اسم المسجد الأقصى يطلق قديماً على الحرم القدسي الشريف كله، وما فيه من منشآت أهمها قبة الصخرة المشرفة والتي بناها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان 72هـ 691م. وتعد من أعظم الآثار الإسلامية. وأما اليوم فيطلق الاسم على المسجد الكبير الكائن جنوبي ساحة الحرم، ينسب معظم المؤرخين المسلمين بناء المسجد الأقصى الحديث إلى عبد الملك بن مروان ومنهم البشاري والمقدسي ومجير الدين الحنبلي والسيوطي.
أما ابن البطريق وابن الأثير فيقولان: إن الوليد بن عبد الملك هو الذي بناه، ويسندان رأييهما إلى المراسلات بين مصر وفلسطين، والتي تضمنت ذكر نفقات العمال الذين كانوا يتولون بناء مسجد القدس، والاعتقاد السائد أن الوليد هو الذي أكمل البناء عام 90 هـ 709م. لقد رُمم المسجد عدة مرات بعد العصر الأموي. وفي عام 130هـ 747م حدث زلزال هدم شرقي المسجد وغربه، فجرت إعادة البناء زمن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور 141هـ- 758م. وزلزال آخر تعرض له المسجد فأعاد بناءه الخليفة العباسي محمد المهدي. وقد تكوَّن من رواق أوسط كبير يقوم على أعمدة من الرخام، تكتنفه من كل جانب سبعة أروقة موازية له. وفي سنة 425هـ 1033 م خُرب المسجد بسبب زلزال آخر، فعمره الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله، وضيقه من الغرب والشرق بحذف أربعة أروقة من كل جانب. والأبواب السبعة التي في شمال المسجد اليوم هي من صنع الظاهر.
وعندما احتل الصليبيون القدس تموز 1099م. غيروا معالم المسجد، فاتخذوا جانباً منه كنيسة وجانباً آخر مسكناً لفرسان الاستبارية، وأضافوا إليه من الناحية الغربية بناءً جعلوه مستودعاً لذخائرهم. ولما حرر صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله- القدس 1187م أمر بإصلاح المسجد الأقصى وإعادة بنائه على ما كان عليه قبل الاحتلال الصليبي، حيث جدد محراب المسجد وغشاه بالفسيفساء وأتى بالمنبر الرائع والذي أمر نور الدين محمود بن زنكي بصنعه في مدينة حلب ووضعه في المسجد الأقصى. وفي سنة 614هـ-1217م أنشأ الملك المعظم عيسى بن أيوب الرواق الشمالي للمسجد. كما أجريت عليه بعض التحسينات في العهدين المملوكي والعثماني...
يبلغ طول المسجد الأقصى من الداخل 80 متراً وعرضه كذلك وفي المسجد سبعة أروقة، رواق أوسط وثلاثة أروقة في الشرق وثلاثة أروقة في جهة الغرب ترتفع فوق 53 عموداً من الرخام، وفي صدر المسجد القبة. وللمسجد أحد عشر باباً سبعة منها في الشمال وواحد في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب، ولهذا المسجد مكانة رفيعة ومقدسة عند المسلمين. فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسجد الإسراء والمعراج، وله أثره العظيم –وعلى مدى التاريخ- على الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية في فلسطين والعالمين العربي والإسلامي. وقد حفل عبر القرون بالنشاطات العلمية.
فكان من أكبر مراكز التعليم الديني في الإسلام وبيت المقدس، فكانت تتلى فيه المراسيم السلطانية وبراءات تعيين كبار الموظفين.
وما أن احتلت "إسرائيل" القسم الشرقي من القدس العربية وهي ماضية في مساع لا تفتر في تهويد المدينة المقدسة بأكملها. وفي العبث بالتراث الحضاري العربي الإسلامي والمسيحي، وتحدي مشاعر المؤمنين بالديانتين السماويتين الكبيرتين، وذلك بتغيير معالم المدينة، الأمر الذي كان موضع استنكار دولي في سلسلة متصلة من القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة. وكان المسجد الأقصى أحد أهم أهداف الإسرائيليين، ولا زالت حملة العبث والتحدي هذه، وقد دأب شذاذهم الشباب من كلي الجنسين على اقتحام ساحة هذا المسجد وإقامة الرقص والغناء والحفلات الخلاعية والاعتداء على المصلين المسلمين. بتاريخ 21-8-1969 تم إحراق المسجد الأقصى بتحريض خفي من السلطات الإسرائيلية ومن حاخاماتها، فقد قامت هذه السلطات بقطع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، وحاولت منع المواطنين العرب وسيارات الإطفاء من المشاركة بإطفاء الحريق. وكادت النار أن تأتي على قبة المسجد لولا استماتة المواطنين العرب من مسلمين ومسيحيين في إطفاء هذه النار، ومع هذا فقد أتت النار على منبر المسجد واشتعلت في سطحه الجنوبي، وأتت على سقف ثلاثة أروقة وعلى جزءٍ كبير من هذا القسم. وقد زعمت إسرائيل كعادتها أن تماساً كهربائياً كان السبب في ذلك. ولكن تقارير المهندسين العرب، أوضحت بجلاء أن الحريق تم بفعل أيدي مجرمة مع سبق الإصرار والتصميم.
الأمر الذي اضطر سلطة العدو بالإدعاء أن شاباً استرالياً يهودياً يدعى "دينيس مايكل وليم موهان" ويبلغ من العمر 28 عاماً، وكان قد دخل فلسطين المحتلة قبل أربعة أشهر من وقوع الحريق، وهو الذي ارتكب الجريمة. وقد ادعت فيما بعد أنه معتوه، وبعد حبسه تم إطلاق سراحه. لقد تمت إدانة إسرائيل من قبل مجلس الأمن في الجلسة رقم 1512 والقرار رقم 271 عام 1969 لأن إسرائيل دنست الأقصى والخسارة الكبرى التي لحقت بالثقافة الإنسانية. ومضى المجلس يقرر أن "أي تدمير أو تدنيس للأماكن المقدسة أو المباني أو المواقع الدينية في القدس، أو أي تشجيع أو تواطؤ للقيام بعمل كهذا يمكن أن يهدد بشدة الأمن والسلام الدوليين". صدر القرار هذا بأغلبية 11 صوتاً وبامتناع أربع دول عن التصويت من بينها –طبعاً- الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل من أخطر الاعتداءات على المسجد الأقصى تلك السلسلة من الحفريات التي قام بها الإسرائيليون حوله وتحته، فمنذ عام 1968، وحتى يومنا هذا، ورغم قرارات الهيئات الدولية المتلاحقة، تواصل سلطات العدو حفرياتها بحجة البحث عن آثار هيكل سليمان، بدأت هذه الحفريات تحت بيوت السكان العرب، وتحت المساجد والمدارس، وتحت الحرم الشريف نفسه.
فحفرت نفقاً عميقاً وطويلاً تحت الحرم القدسي الشريف أدخلت فيه سفر التوراة وأنشأت بداخله كنيساً يهودياً. وفي حفل افتتاح هذا الكنيست قال كبير الحاخامات اليهود: "إننا نحتفل اليوم بافتتاح الكنيست، وقد أقمناه هنا تحت الحرم مؤقتاً، وغداً سنحتفل مكان هذا الحرم وفوقه ونقيم كنيسنا الكبير ونعيد بناء هيكلنا على أرضه لأنها أرضنا، ولن يبق أحد من هؤلاء العرب الغرباء في بلادنا". كما جرى ضم القدس كلها نهائياً للكيان الصهيوني وراح التهويد يجري على قدم وساق.
القيمة العقائدية للقدس في الإسلام:
من الحقائق المسلم بها تماما أن فتح المسلمين العرب للقدس في النصف الأول من القرن السابع الميلادي لا يتعدي كونه تحريرا عربيا لأرض عربية كانت تقبع تحت أسر الاحتلال الأجنبي ضمن أرض عربية أخرى كانت تعاني من نفس هذا الاحتلال الذي كان ضمن موجات الغزو الأجنبي الطويل للأرض العربية.
عن ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضل بيت المقدس والصلاة في مسجدها، ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن ذي الأصابع قال: قلنا يا رسول الله ابتلينا بعدك بالبناء أين تأمرنا؟ قال عليك ببيت المقدس فلعل أن يشأ لك ذرية تغدو المسجد وتروح.
وما أخرجه الإمام أحمد أيضا عم ميمونة بنت سعد قالت: ﴿انبي الله أفنتا في بيت المقدس؟ فقال لها: فأرض المنشر والمحشر، ائتوه فصلوا فيه صلاتكم فيه كألف صلاة...﴾.
وما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:﴿ لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى﴾[14].
الكتاب المقدس:
رغم الإدعاءات الصهيونية في إنها تقوم إيديولوجيا على أساس استحضار التراث اليهودي من خلال انبعاث الشعب اليهودي على ضوء المعطيات عقيدته الدينية، فإن الأباطيل الصهيونية كحركة عنصرية تنزع إلي التعالي عن طريق العدوان. وما ورد بالكتاب المقدس بخصوص دولة صهيونية لليهود في فلسطين إدعاء مكذوب في قداسة التراث الديني القديم فضلا عن عدم استقامته على الإطلاق في التوراة، ويمكن إظهار تجليا ت هذا الإدعاء المكذوب في النقاط التالية:
- أين كانت الوعود؟
- ما حدود الأرض الموعودة؟
- هل كان الوعد نهائي أو مشروط؟
جاء أول وعد صريح بإعطاء فلسطين لنسل إبراهيم في شكيم (نابلس) في سفر التكوين : لنسلك أعطى هذه الأرض حين كان إبراهيم يقف على تلة على مقربة من بيت إيل، قيل له جميع الأرض التي ترى لك أعطيها ولنسلك إلي الأبد، والإصحاح الأكثر وضوحا، لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر