عَنْتَرة العَبْسي ( ؟ - نحو 22ق.هـ، ؟ - نحو 600م). عنترة بن شداد العبسي شاعر جاهلي من شعراء المعلَّقات السَّبْع وفارس من فرسان بني عبس. ارتبط اسمه وسيرته بحبه لعبلة ابنة عمه. أما أمه فجارية سوداء من الحبشة تدعى زبيبة تملَّكها شداد فأنجبت له عنترة، ولكنه على عادة العرب في الجاهلية إذا كان للرجل ولد من أَمة استُعبد، ولذا عُدَّ من العبيد.
يُكَنى عنترة بكنيتين لم تشيعا كثيرًا وهما؛ أبو المعايش وأبو أوفى. وكان عنترة من أشد أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يداه. وقد دعاه أبوه وألحقه بنسبه بسبب غارة لبعض أحياء العرب على قومه بني عبس أظهر فيها عنترة شجاعة فائقة.
وقد عانى عنترة العبودية التي طوقت عنقه، ثم نال حريته بعد أن قدَّم التضحيات، وأظهر بطولة فذة وشجاعة نادرة كانت مضرب الأمثال. وعنترة أحد أبطال حرب داحس والغبراء، فقد خلدها بشعره ووصف أحداثها مفتخرًا بفروسيته وأفعاله. وكما وقع الخلاف في نسبه وأخبار زواجه من عبلة، وقع أيضًا في أخبار وفاته، والراجح عند الرواة أنه قُتل، وكان ذلك قبل الإسلام بقليل.
وشعر عنترة رَجْعٌ مباشر لمعاناته النفسية، يمتلئ بالحديث عن شمائله وأخلاقه الكريمة. ومعلقته ـ وهي من أصح قصائده ـ ترسم صورة خلقية كاملة له. ففيها أسرف عنترة في الحديث عن وقائعه، ونعت نفسه بأجمل الأوصاف مُظهرًا أخلاقه وكرمه، وجميل فعاله وبطولاته. ويظهر في العديد من أبيات القصيدة أثر الصراع العنيف بين حب عنترة لعبلة، وسواد لونه وصحة نسبه، فقد ظلمته القبيلة، وتنكرت له الحبيبة، فتسامى في خُلقه وفي حبّه، وتغلّب على جروحه وآلامه، فأخذ يردد على مسامع عبلة مكارمه، ويظهر لها مواقفه في مبارزة الأبطال.
وفي القصيدة ـ التي عدّها ابن سلام نادرة ـ جمع عنترة بين ألفاظ الحب وألفاظ الحرب، وكان خطابه دائمًا موجهًا إلى المرأة التي أنكرته ورفضت حبه، وهو حبٌ على حافة الخطر، يظهر فيه وجه الفارس العاشق.
يقول في مطلع معلقته الشهيرة:
هل غادر الشعراء من متردّم أم هل عرفت الدار بعد تَوَهُّمِ
ثم يقول لمحبوبته عبلة:
أثني عليَّ بما علمت فإنني سهل مخالقتي إذا لم أُظْلَمِ
فإذا ظُلمت فإن ظلمي باسل مرٌّ مذاقته كطعم العلقم
ثم يقول:
ولقد ذكرتُك والرماح نواهلٌ مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المُتَبَسِّم
ثم يقول مفتخرًا بشجاعته في القتال:
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لَبان الأدهم
مازلت أرميهم بثغرة نحره ولبانه حتى تــََسْرَبل بالدم
حتى قال:
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيلُ الفوارس ويك عنتر أَقْدِم
ويحفل ديوانه بما يدل على فروسيته في الحرب وتفانيه في الحب وإجادته في النظم.